البطريرك الكلداني: هجرة مسيحيي العراق اختيار أم تهرب؟

وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء
بطريرك بابل للكلدان لويس روفائيل ساكو

بغداد ـ قال البطريرك الكلداني مار لويس ساكو، إن “موجة هجرة المسيحيين بدأت بالظهور في المشهد الحياتي من جديد، بسبب تصاعد الازمات واحتدام الصراعات بشكل عشوائي ومثير للقلق، ما سبب انعدام الاستقرار والخوف من المستقبل، لينعكس بالتالي على حياتهم وحقوقهم وكرامتهم”.

وفي مقال نشرته هيئة إعلام البطريركية على موقعها الرسمي (مار أديّ)، أضاف الكاردينال ساكو، أن “هناك حاليا 1200 عائلة مسيحية مهاجرة في تركيا، 1000 في الاردن و2500 في لبنان”، مبيناً أن “الهجرة ليست بطراً، بل هي ضرورية أحيانا لإنقاذ الحياة أمام تهديد موحش وخطر محدق. إنني أقصد هنا ظاهرة الهجرة الجماعية”.

وذكر البطريرك، أن “الهجرة سابقاً كانت تحدث داخل البلد الواحد، اما الان فقد غدت ظاهرة عالميّة، تجعل الانسان يترك موطنه الاصلي، قالعاً جذورَه، راحلاً الى بلد آخر لا يعرفه، ولا ينتمي اليه. يتخلى المهاجر عن جنسيته واحبته (احيانا عن والديه المسنين)، وذكرياته، مفقرا ومضعفا من تبقى، ليبدأ بإعادة صياغة حياته وترتيبها، والتأقلم مع وضعه الجديد الذي يختلف عما ألفه، ناهيك عن البعد عن الاهل والشعور القاسي بالغربة، وطول فترة الانتظار في دول الجوار، وغياب فرص العمل، وما يتحمله من تكاليف باهضة لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات المعيشة”.

وأشار رأس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، إلى أن “الوطن ركيزة أساسية في حياة الانسان، وله صدى في الأعماق. الوطن هو ارض آبائه واجداده، المكان الذي يولد فيها الانسان ويكبر ويتعلم. إنه الخيمة التي تحتضن الجميع، هو رمز هويته وتاريخه وتراثه ولغته. الوطن هو الجماعة التي يرتبط بها بعلاقات وصداقات، وهو بمثابة الأم والاسرة، فحب الوطن والوفاء له امر طبيعي ومقدس”.

وأوضح الزعيم الديني، أن “قرار البقاء أو المغادرة يعد قراراً شخصياً، عائلياً، تاريخيّاً ومصيريّاً، يجب ان يأتي مدروسا من كل الجوانب، فعلى المهاجر أن يدرك انه ليس في رحلة الى الجنة، بل انه سيواجه عدة تحديات وصعوبات من نوع آخر، ربما ستكون أقسى، خصوصا اختلال الحريّة!

وهنا تلعب الكنيسة دوراً كبيراً، اذ عليها صياغة لاهوت (مفهوم مسيحي) للوطن/ الوطنية ولاهوت للهجرة/ الاستقبال، لتوضيح الامور جليا للمؤمنين، وخلق مزيد من الوعي والتضامن لاتخاذ القرار الصائب، وتجاوز المخاطر التي تنعكس على حياة من قرر المغادرة بلا عودة .

وذكّر البطريرك بأن “وجود المسيحيين في العراق تاريخي، فهم سكانه الاصليون، وجودهم ليس من باب الصدفة، انما هم يحملون رسالة المحبة والرجاء والثقة، وينبغي ان يعمقوا هذا المفهوم ويعرفوا كيف يعيشونه”. وعلى “الرغم من كل المعاناة والضيق والأزمات المتراكمة، يجب الا تدفع الظروف الصعبة المسيحيين الى الاستسلام او الهجرة، بل على العكس ينبغي عليهم ان يتشبثوا بارضهم وتاريخهم وايمانهم، تمثلا بأجدادهم وآبائهم وقديسيهم”.

نحن كرعاة نتفهم ظروفهم وقلقهم وخوفهم من المستقبل، لكن هذا يشمل كل العراقيين.  وسنبذل كل ما في وسعنا للوقوف الى جانبهم وخدمتهم والدفاع عن حقوقهم وحمايتها.

اننا نطالب الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان، الاهتمام ببلدات سهل نينوى وبلدات اقليم كردستان المسيحية، ذلك من خلال ترسيخ المواطنة، وتطبيق القانون والعدالة، وتوفير الحقوق المدنية التي تساوي بين الجميع، وتوفير الخدمات وفرص العمل، والتعويض عما فقدوه بسبب داعش وغيرها من الحروب الطائفية. انهم يهاجرون بحثا عن مستوى أفضل للعيش بأمان وكرامة وحرية.، لذا هم بحاجة الى تطمينات حكومية تشجعهم على البقاء والتواصل مع مواطنيهم.

كما ندعو المجتمع الدولي الى الاهتمام بإعمار مناطقهم وخلق مشاريع استثمار لتشجيع الناس على البقاء والتواصل، فبقاء المسيحيين على ارضهم، وتواصلهم مع مواطنيهم في عيش مشترك متناغم هو مسؤولية الجميع.

في الختام ندعو جميع المسيحيين ليكونوا أقوياء وألا يفقدوا الثقة الله، وبالمستقبل، وبأشخاص رائعين يقفون معهم ويسندونهم”.